
تُعتبر رياضة الفروسية من أعرق الرياضات وأكثرها ارتباطًا بتاريخ وثقافة المملكة العربية السعودية، فهي تجسد معاني الفخر والأصالة التي تعكس الهوية العربية الأصيلة. وتُعد هذه الرياضة جزءًا لا يتجزأ من التراث السعودي، حيث مارسها العرب قديمًا في التنقل والحروب والصيد، بالإضافة إلى أنها ترمز إلى القوة والكرم والشجاعة، وهي خصال يعتز بها أبناء المملكة العربية السعودية إلى يومنا هذا.
خلال العقود الماضية، شهدت رياضة الفروسية في السعودية نهضة نوعية كبيرة، وذلك نتيجة الاهتمام الرسمي والشعبي الواسع، ما جعل المملكة تتبوأ مكانة بارزة في هذا المجال على المستوى الإقليمي والعالمي. ويرجع الفضل في ذلك إلى الدعم اللامحدود من قِبل القيادة السعودية، التي حرصت على توفير البنية التحتية المتطورة، والاهتمام بتربية وإنتاج الخيول، بالإضافة إلى تنظيم البطولات المحلية والدولية الكبرى.
بدأت مسيرة الاهتمام الحديث بالفروسية بشكل واضح مع تأسيس نادي سباقات الخيل عام 1965، حيث كان نقطة تحول نحو احترافية هذه الرياضة. وقد لعب النادي دورًا بارزًا في تنظيم سباقات الخيل بشكل دوري، وهو ما ساهم في تعزيز شعبية هذه الرياضة وإقبال الناس عليها بشكل متزايد.
وشكل تأسيس الاتحاد السعودي للفروسية عام 1990 خطوة محورية نحو توحيد الجهود في إدارة هذه الرياضة، والإشراف على تنظيم البطولات والمسابقات المحلية والدولية، حيث نجح الاتحاد في إبراز اسم المملكة في المحافل العالمية من خلال المشاركات النوعية وتحقيق إنجازات كبيرة، خصوصًا في منافسات قفز الحواجز، والقدرة والتحمل، والفروسية الكلاسيكية (الدريساج).
وتشهد المملكة اليوم نهضة غير مسبوقة في ميدان الفروسية، خصوصًا بعد إطلاق رؤية 2030 التي تُولي اهتمامًا خاصًا برياضة الفروسية، بوصفها جزءًا من الهوية الوطنية، وعنصرًا أساسيًا في تعزيز النشاط السياحي والترفيهي. وتُعد بطولة كأس السعودية لسباقات الخيل، التي أُطلقت لأول مرة عام 2020 بجوائز مالية ضخمة بلغت قيمتها 20 مليون دولار، واحدة من أبرز دلائل التطور والاهتمام الرسمي بهذه الرياضة. وأصبحت البطولة في زمن قصير من أهم البطولات على الساحة العالمية، حيث استقطبت أفضل الجياد والفرسان من مختلف أنحاء العالم.
كما شهدت المملكة توسعًا كبيرًا في إنشاء المراكز والمدارس المتخصصة في تعليم رياضة الفروسية، حيث انتشرت هذه المراكز في المدن الرئيسية مثل الرياض وجدة والمنطقة الشرقية. ويعكس هذا التوسع مدى اهتمام السعوديين برياضة الفروسية، وزيادة الوعي بأهميتها كرياضة تعزز القيم النبيلة، وتساهم في بناء شخصية الفرد وتطوير مهاراته الجسدية والنفسية.
وفي مجال تربية وإنتاج الخيول، فقد قطعت السعودية شوطًا كبيرًا، حيث تم تأسيس العديد من المزارع والمرابط الخاصة التي تهتم بتربية الخيول العربية الأصيلة، إضافة إلى وجود مراكز وطنية كبرى مثل مركز الملك عبدالعزيز للخيل العربية الأصيلة في ديراب، والذي يُعتبر أحد أكبر المراكز العالمية المهتمة بتوثيق الخيول العربية وإصدار شهادات النسب لها، ما عزز مكانة الخيول السعودية في السوق العالمية.
من جانب آخر، حقق الفرسان السعوديون نجاحات بارزة في مختلف البطولات الدولية، حيث حصل العديد منهم على ميداليات ومراكز متقدمة في الأولمبياد والبطولات العالمية. فعلى سبيل المثال، كانت المشاركة السعودية في أولمبياد لندن 2012 علامة فارقة، عندما نجح الفريق السعودي في الحصول على الميدالية البرونزية في مسابقة قفز الحواجز، وهو إنجاز تاريخي يُحسب لرياضة الفروسية السعودية.
وقد أثمرت هذه النجاحات عن اهتمام جيل الشباب السعودي برياضة الفروسية، حيث لوحظ في السنوات الأخيرة إقبال متزايد من الشباب على ممارسة هذه الرياضة، وهو ما يبشر بمستقبل واعد يحمل المزيد من الإنجازات. ويعكس إقبال الشباب على هذه الرياضة رغبة متنامية في الحفاظ على التراث العربي الأصيل، إضافة إلى الجوانب الرياضية والثقافية والاجتماعية التي توفرها ممارسة الفروسية.
وتبقى رياضة الفروسية في السعودية رمزًا من رموز الأصالة والتراث، ورافدًا أساسيًا لتعزيز الهوية الوطنية، كما تساهم بشكل كبير في تحقيق رؤية المملكة 2030 عبر تعزيز مكانتها الدولية في المجال الرياضي والسياحي والثقافي. وتواصل المملكة، من خلال المبادرات والتطوير المستمر، سعيها الدؤوب لأن تصبح واحدة من أبرز الوجهات العالمية لرياضة الفروسية بكل أشكالها.